تحضير نص حفظت ما لم تحفظ -->

تحضير نص حفظت ما لم تحفظ


تحضير نص حفظت ما لم تحفظ

    تحضير نص حفظت ما لم تحفظ للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    تحضير نص حفظت ما لم تحفظ للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    حفظت ما لم تحفظ

    ➀ التمهيد :
    ✔ الرسالة لون من ألوان النثر الجميل الذي يعد ندا للشعر وكفؤا له وللرسالة الفنية بناء خاص وشكل معروف، وسمات معينة هي بمثابة الأركان الأساسية التي تبنى عليها فعلى مستوى البناء تتجزأ الرسالة إلى ثلاثة أقسام هي: البداية (الصدر)، والمتن (الموضوع)، ثم الخاتمة والرسالة تقصر وتطول دون أن يؤثر ذلك على بنائها الفني وتنقسم الرسائل إلى نوعين:
    - رسائل إخوانية، وتتعلق بالمراسلات الجارية بين مختلف فئات المجتمع، وتدور مواضيعها حول: العتاب، والاستعطاف، والشكر، والتهنئة، وغيرها.
    - رسائل ديوانية، وهي التي تدور في فلك السلاطين والولاة والعمال، وتتناول، فضلا عن المواضيع السابقة، كل ما له علاقة بالسياسة وشؤون الحكم.
    ✔ قراءة في الشخصية والإنتاج:هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي، أبو عبد الله، فاتح مصر، واحد عظماء العرب أسلم في هدنة الحديبية، و ولاه النبي صلى الله عليه وسلم إمرة جيش "ذات السلاسل". ولاه عمر رضي الله عنه على فلسطين، ثم مصر فافتتحها وتوفي بالقاهرة في عهد معاوية سنة 43ه--.
    ➁ ملاحظة النص و صياغة الفرضية:
    - العنوان: جاء العنوان جملة فعلية، تحيل على أن هناك طرفين متخاطبين. طرف مرسل (حفظت) لهذا الخطاب. وطرف مستقبل تلقى الخطاب. والملفت للنظر هو أن هذا الخطاب جاء نتيجة رد فعل من لدن المرسل.
    - الفرضية: من خلال عنوان النص، وبدايته، ونهايته، ومصدره، نفترض أن يكون النص نصا حجاجيا يندرج ضمن أدب الترسل. وربما سيفند فيه المرسل التهم التي وجهت له من طرف عمر الفاروق رضي الله عنه.
    ➂ فهم النص :
    ✔ القاموس المساعد:
    - الخراج: ما يخرج من غلة الأرض (أي من خراج مصر).
    - عتوهم: استكبروا وجاوزا الحد.
    - الدَّرَّ: اللبن ويعني أيضا الخير والعطاء.
    - أنبت: نشأ وربا.
    - عرَّضت: (عرض بفلان؛ قال فيه ما يعيبه).
    - تربت: وضع عليه التراب. (والمعنى وصمتني بالمعايب و المثالب).
    - المفظعات: اشتدت شناعته.
    - المقذعات: رماه بالفحش وسوء القول.
    - رصين: محكم، متين، متعقل، رزين.
    - شينا: القبح والعيب.
    - الاجتراء: التطاول والإقدام.
    - عرضا: مغنما سهل المأخذ.
    ✔ مقاطع الرسالة:
    - المقطع الأول: استهل عمرو بن العاص رسالته بإفشاء السلام والحمدلة وتحديد المرسل والمرسل إليه مع الإشارة إلى ظروف الرسالة، باعتبارها ردا على لوم عمر بن الخطاب.
    - المقطع الثاني: الاتهامات الموجهة إلى عمرو بن العاص من أمير المؤمنين في عرضه وكرامته. لذلك رد عليها عمرو بن العاص بالأدلة والحجج مبرزا أمانته وصدقه ونزاهته منذ عهد الرسول عليه السلام. ومن بعده.
    - المقطع الثالث: اختتام الرسالة بدعاء المرسِل لأمير المؤمنين وله بالمغفرة مع التأثير بالحفظ والعمل بالأمانة والعهد، ثم إفشاء السلام.
    ✔ مضمون العام للرسالة: النص عبارة عن رسالة يرد بيها عمرو بن العاص على رسالة سابقة من عمر بن الخطاب، حيث اتهمه فيها بمجموعة من الاتهامات نتيجة تأخره في إرسال الخراج من بلاد مصر إلى المدينة المنورة. ولعل أبرز تلك التهم هي: نسف خيرات مصر، وجمع المال والاحتفاظ به دون المبالاة إلى إخوانه المسلمين وأحوالهم الصعبة بالمدينة المنورة. فكان رد عمرو بن العاص عنيفا حيث استعان بمجموعة الحجج والأدلة بهدف إبطال التهم التي لفقت له
    ➃ تحليل النص:
    ➀ بناء الرسالة:
    يقوم النص الذي بين أيدينا، كغيره من فنون القول، على ثلاثة مكونات أساسية، وهي:
    - البداية (الصدر): وخصها المرسل بالبسملة، ثم ذكر اسم المرسل واسم المرسل إليه، والحمدلة، وإلقاء السلام.
    - المتن (الموضوع): وفيه يبسط الكاتب (المرسل) قضيته الأساسية ويدافع عنها اعتمادا على حجج متنوعة. وبالتمعن في النص، نجد أن متنها هو: عرض التهم التي اتهمه بها عمر بن الخطاب، وتفنيدها معتمدا على أدلة عقلية وأخرى تاريخية.
    - الخاتمة: ويشترط فيها أن تكون ذات صلة بالموضوع، غير أنها تحتوي على عنصر آخر يعرف بالقفلة، وقد تكون آية قرآنية أو حديثا نبويا أو بيتا شعريا أو مثلا. غير أن بعضهم يجعل قفل خاتمة رسالته لفظة "المشيئة" (إن شاء الله)، أو الدعاء، أو السلام، وهو قفل رسالة عمرو بن العاص.
    ➁ الوضعية التواصلية (أطراف التواصل):
    بما أن المراسلة مفاعلة تواصلية يقوم على عناصر أساسية لا يمكن الرسالة أن تستقيم بدونها، وهي:
    - المرسل: وهو عمرو بن العاص والي مصر.
    - المرسل إليه: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين.
    - الرسالة: دحض وتفنيد التهم الموجه إلى عمرو بن العاص.
    ➂ الحجاج في النص:
    يهيمن على النص الطابع الحجاجي، على اعتبار أن عمرو بن العاص يحاول دحض التهم التي وجهها إليه عمر بن الخطاب. ولتحقيق تلق الغاية، لجأ عمرو بن العاص ثلة من الحجج، نذكر منها:
    - حجة استشهادية: "وقد عملنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمن بعده.
    - الحجة اللغوية: أسلوب القسم، أسلوب التأكيد، أسلوب النفي.
    - حجة تاريخية، وذلك من خلال إشارته إلى خراج أهل مصر في عهد الفراعنة.
    - حجة المقارنة، حيث قارن بين الخراج في عهد الفراعنة وفي عهده.
    ➃ أسلوب النص:
    يبدو أن عمرو بن العاص قد اهتم بالأسلوب وجماليته، وذلك من أجل الإسهام في تدعيم حججه. ومن هذه الأساليب نجد:
    - السجع: ومن أمثلته في النص نجد: (أكثرت في كتابك وأنبت وعرضت وتربت، فجئت لعمري بالمفظعات المقذعات ...).
    - الموازنة بين الجمل: (ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم، بليغ صادق...).
    ➄ الصور البلاغية
    نجد على رأسها:
    - الكناية في قوله (و ذكرت أن النهر يخرج الدر فحلبتها حلبا) كناية على خيرات نهر النيل.
    - التشبيه في قوله (و لو كنت من يهود يثرب).
    ➄ التركيب :
    بناء على ما تقدم، إن النص الذي درسناه، ملاحظة وفهما وتحليلا، يندرج ضمن نمط النصوص الحجاجية عامة، وأدب الترسل خاصة. وكل مستويات النص تبوح بذلك. إن على مستوى البناء، نجد أن الكاتب التزم بمقومات فن الرسالة (مقدمة، المتن، الخاتمة). أو على مستوى المضمون، حيث إن المرسل تسلح بكوكبة من الحجج قصد تفنيد التهم التي وجهها له أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نتيجة تأخره في إرسال خراج بلاد مصر. هذا بالإضافة إلى توظيفه لمجموعة من المحسنات البديعية والأساليب اللغوية. وهذا ما يبرز مدي تمكن عمرو بن العاص من قواعد اللغة العربية، وهذا مطلب أساسي لكتاب فن الترسل.