تحضير نص مدينة الخنسا -->

تحضير نص مدينة الخنسا


تحضير نص مدينة الخنسا

    تحضير نص مدينة الخنسا للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    تحضير نص مدينة الخنسا للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    مدينة الخنسا

    ➀ التمهيد :
    - لقد استخدمت عبارة "أدب الرحلات" إشارة إلى كتابات الرحالة الذين يصفون فيها البلدان والأقوام، ويذكرون فيها أحداث تجوالهم، ودوافع رحلاتهم، ومال قد يصاحب ذلك من بلورة لانطباعات شخصية، أو إصدار أحكام تقويمية لما شاهدوه أو سمعوه. وأيا كانت دوافع الرحالة، دينية أو اقتصادية أو سياسي أو علمي أو سياحي، فإن الرحلة لعبت دورا إيجابيا في إغناء الرصيد المعرفي للإنسان خصوصا فيما يتعلق بالتاريخ أو الجغرافيا والحضارة. فقد اتصف أغلبهم بدقة الملاحظة، والوصف والتقدم في تسجيل مشاهداتهم بأمانة وصدق، كما حرص معظمهم على التفرقة بين المشاهدة والرواية عند تسجيل معلوماتهم.
    - صاحب النص: هو محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي المشهور ب "ابن بطوطة". ولد عام 703 ه- في مدينة طنجة. وعندما شارف الحادية والعشرين من عمره عزم على السفر بغية حج بيت الله الحرام، ومن هنا انطلقت رحلته التي دامت زهاء ثلاثين سنة زار فيها أقطارا وأمصارا عديدة. وبعد إتمام هذه الرحلة عاد إلى المغرب سنة 754ه- بطلب من السلطان أبي عنان المريني الذي أوعز إليه بكتابة رحلته الموسومة ب- "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". وقد توفي سنة: 779ه-.
    - مصدر النص: رحلة ابن بطوطة، المجلد 4. تحقيق د. عبد الهادي التازي. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية- سلسلة التراث،1997. ص: 144-151.بتصرف.
    - ظروف النص: من بين الأقطار التي زارها ابن بطوطة بلاد الصين التي زارها في بعثة سياسية من لدن سلطان الهند محمد شاه. وفي بلاد الصين تعرف الرحالة على أمكنة جديدة، وعادات وتقاليد ومعتقدات غريبة، ونظم اقتصادية مختلفة. ومنها ما سجله في هذه الرحلة إلى مدينة "الخنسا".
    ➁ ملاحظة النص و صياغة الفرضية:
    - العنوان: لقد جاء العنوان شبه جملة مكون من مضاف و مضاف إليه و يدل اسم المدينة على المكان و الخنسا تدل على اسم المدينة و من المفترض أن يصفها ابن بطوطة، و بعد قراءة الفقرة الأولى تبين لنا ان النص ينتمي إلى نمط الحكي بامتياز ذلك أننا نجد المؤشرات الدالة على ذلك. فالبطل يحكي ما شاهده في قالب سردي حكائي. - الفرضية: نفترض من خلال الشكل البصري للنص، و عنوانه والفقرة الأولى منه، ومصدره، أن يكون نمطا حكائيا قديما ينتمي إلى أدب الرحلة، وربما سيصور لنا الرحالة ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور أثناء رحلته إلى مدينة الخنسا ..
    ➂ فهم النص :
    ✔ الوحدات الحكائية للنص:
    - الوحدة الحكائية الأولى: تحديد الرحالة الطريقة التي سلكها أثناء رحلته إلى مدينة الخنسا، والمدة الزمنية التي استغرقها، والكيفية التي استقبلهم بها أعيانها.
    - الوحدة الحكائية الثانية: وصف الرحالة للمدينة الثانية (مدينة المشركين) من مدن الخنسا، مركزا على ذكر سكانها.
    - الوحدة الحكائية الثالثة: وصف الرحالة للمظاهر العمرانية والاجتماعية والدينية للمدينة الثالثة، والتي يقطنها المسلمون.
    - الوحدة الحكائية الرابعة: رصد الرحالة لأهم المظاهر الأخلاقية والثقافية والفنية، والاحتفالية، والعادات والتي تتميز بها مدينة الإمارة.
    - الوحدة الحكائية الخامسة: تعبير الرحالة عن مدى إعجابه بالمظاهر الاقتصادية للمدينة الخامسة، والتي يسكنها عامة الناس.
    - الوحدة الحكائية السادسة: تحديد الرحالة للموقع الجغرافي للمدينة السادسة، ووصفه لبنيتها العمرانية.
    ✔ مضمون النص: يستهل الكاتب نصه بذكر طريق الرحلة عبر النهر و التي دامت فيه سبعة عشر يوما، ليصلوا بعد ذلك لمدينة الخنسا حيث استقبلهم أعيانها بالترحاب لأنهم مسلمون مثلهم، و يصف بعد ذلك مدينة الخنسا التي تتشكل من ست مدن حسب الطبقات الاجتماعية. وقد ركز في الوصف على مجموعة من المظاهر العمرانية و الاقتصادية و الدينية و العلمية و الفنية.
    ➃ تحليل النص:
    ➀ المعجم:
    بما أن الرحلة بنية مركبة من ثلاثة عناصر: السفر، والوصف، والمكان. وكما هو واضح، فإن بنية السفر هي المتحكمة في النسج المعجمي للنص. ويمكن تصنيف ذلك وفق ما يلي:
    الحقل الدال على التنقل الحق الدال على المكان
    ركبت النهر، يرحل المسافر، وصولنا، ركبوا معي، بعث ولده معنا، ركبنا في سفينة، عدنا بالعشي، دخلنا، بعث معنا... مدينة الخنسا، قرية، الصين، بستانه، داره، دار أميرهم، باب اليهود، أسواقهم، المساجد، زاوية، دار الإمامة، الخليج، النهر الأعظم ....
    ➁ الشخصيات:
    لا شك أن الرحالة عندما يعتزم القيام برحلة، فإنه يخترق أمكنة متنوعة ومتعددة. وذلك الاختراق يترتب عنه اندماج الرحالة مع شخصيات متعددة، وتختلف باختلاف الدين والعرق والوسط الاجتماعي. وهذا ما نوضحه وفق الجدول الآتي:
    التصنيف العرقي التصنيف الديني التصنيف الاجتماعي
    عثمان بن عثمان المصري، أمير المدينة الثانية من أهل الصين، العربي، الصيني، الفارسي، الترك .... شيخ الإسلام، اليهود، النصارى، المسلمون، عبدة الشمس، طائفة من الصوفية .... كبراء المسلمين، أميرها، حراس المدينة، القاضي فخر الدين، التجار الكبار، الفقراء، المحتاجين، عبيد السلطان، الصناع، عبيد القان، ملك الهند، الصيادون، البحرية...
    يتضح من خلا الجدول أعلاه أن هناك تعددا وتنوعا في شخصيات النص. وهذا التعدد يبرز أهمية أدب الرحلة في معرفة الشعوب، وتلاقح الحضارات وأخذ فكرة عن مظاهر الحياة الاجتماعية والعرقية والسياسية والثقافية لهذا الآخر المختلف عن الأنا.
    ➂ المنظور السردي:
    يمكن اعتبار هذه الرحلة سيرة ذاتية أو حكائية. لذلك فهي تحافظ على مقومات السرد، حيث نجد الرحالة هو المؤلف والسارد والشخصية الرئيسة في آن واحد. وهذا ما يتضح لنا جليا من خلال الضمير المستعمل في نقل أحداث ووقائع الرحلة. إذ نجد السارد قد وظف ضمير المتكلم العائد على الكاتب والسارد والشخصية المحورية. أو الضمير العائد على جماعة المتكلمين، الذي يعكس ذاتية المؤلف التي هي ذاتية السارد وذاتية الشخصية الرئيسية. ومن ثمة فالرؤية السردية الحاضرة في النص، هي الرؤية المصاحبة. أما وضعية السارد فهو مشارك في الأحداث ...
    ➃ المكان:
    تتميز الرحلة، التي نحن بصدد تحليليها، باحتفائها بالمكان الذي يشكل عنصرا أساسا في أدب الرحلات. فبواسطته تكتسب الرحلة جمالها ورونقها. وإذا تدبرنا الرحلة وجدناها مفعمة بالأمكنة التي زارها الرحالة ابن بطوطة. ونمثل لها وفق ما يلي: أمكنة التنقل (النهر، السفينة، القوارب). وأمكنة النزهة (بستان، خليج، السفن، ساحل النهر)، وأمكنة التجارة (أسواق، سقائف)، وأمكنة العبادة (المساجد، الزاوية العثمانية)، وأمكنة الاستراحة (قرية، الخنسا، الدار، دار الأمير)، الأمكنة الأثرية (المشور،)
    ➄ الوصف:
    زاوج الرحالة ابن بطوطة في رحلته، إلى مدينة الخنسا، بين الوصف التسجيلي الذي يتوخى نقل الشيء بكل حذافيره بعيدا عن المتلقي وإحساسه، ويعتمد على الاستقصاء والاستنفاذ. ومن أمثلته في النص:" ومدينتهم حسنة وأسواقهم مرتبة كترتيبها في بلاد الإسلام". والوصف التعبيري الذي يمتزج بوجدان الواصف ومشاعره بهدف التأثير في المتلقي، ويعتمد على التلميح والإيحاء. ومن أمثلته في النص: "وهذه المدينة أكبر مدينة رأيتها على وجه الأرض". وقوله أيضا: "فعجبت منه وأصابني خفقان القلب كمثل ما أصابني عند ملك الهند".
    ➄ التركيب :
    بناء على ما تقدم، إن النص الذي درسناه، ملاحظة وفهما وتحليلا، يندرج ضمن نمط أدب الرحلة. حيث إن كل مستوياته تبوح بذبك. إن على مستوى الموضوع فقد حاول ابن بطوطة تقريبنا من أحداث تجواله إلى مدينة الخنسا، وما صاحب ذلك من انطباعات شخصية. أو على مستوى الخصائص الفنية والأسلوبية إذ إن الكاتب أثرى رحلته بمجموعة من الخصائص الفنية ك--: السرد، والوصف والمكان، والشخصيات.
    وختاما، تعد الرحلة في جوهرها حركة. والحركة ترتبط بالمسار الذي لا يعتبر اعتباطيا، ولا يعد اختياره من قبيل التقليد والعادة والإتباع. ولكن اختيار المسار في الرحلات مشروط بعدة شروط، على رأسها: الشروط المكانية والزمانية والبشرية التي تتعلق بالقرب والبعد من الجهة المقصودة. وتتسم الرحلة بمجموعة من الخصائص مضمونا وشكلا. فعلى مستوى المضمون تكون الأحداث المروية تجمع بين الواقعي والخارق والعجيب، فضلا عن وجود سارد يتطابق مع المؤلف والشخصية المحورية، وتوظيف تقنيتي الوصف والسرد. أما على مستوى الشكل، فتتسم بالطول وتحديد مكان الانطلاق ومكان الوصول، والمدة الزمنية التي استغرقتها الرحلة. ففن المقامة يشكل أرقى ما وصلت إليه فنون الأدب العربية، لكون هذا الجنس الأدبي يحقق ما سماه رولان بارت ب: "لذة النص".