تحضير نص القبة الخمسينية -->

تحضير نص القبة الخمسينية


تحضير نص القبة الخمسينية

    تحضير نص القبة الخمسينية للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    تحضير نص القبة الخمسينية للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    القبة الخمسينية

    وَأَصبَحَ قُرصُ الشَمسِ في أُذُني قُرطا سَمَوتُ فَخرَّ البَدرُ دونِيَ وَاِنحَطّا
    وَنيطَت بِيَ الجَوزاءُ في عُنُقي سِمطا وَصُغتُ مِنَ الإِكليلِ تاجاً لِمَفرِقي
    نَثيرُ جُمانٍ قَد تَتَبَّعتُهُ لَقطا وَلاحَت بِأَطواقي الثُرَيّا كَأَنَّها
    جَعَلتُ عَلى كيوان رَحلِيَ مُنحَطّا وَعَدَّيتُ عَن زُهرِ النُجومِ لِأَنَّني
    خَليجاً عَلى نَهرِ المَجَرَّةِ قَد غَطّى وَأَجرَيتُ مِن فَيضِ السَماحَةِ وَالنَدى
    إِلَيهِ وُفودُ البَحرِ تَغرِفُ ما أَنطى عَقَدتُ عَلَيهِ الجِسرَ لِلفَخرِ فَاِرتَمَت
    وَقَد رَقرَقَت حَصباؤُهُ حَيَّةٌ رَقطا تَنَضنَضَ ما بَينَ الغُروسِ كَأَنَّهُ
    وَغيدٌ تَجُرُّ مِن خَمائِلِها مِرطا حَوالَيهِ مِن دَوحِ الرِياضِ خَرائِدٌ
    جَنى الزَهرِ لاحَ في ذَوائِبِها وَخطا إِذا أَرسَلَت لُدنَ الفُروعِ وَفَتَّحَت
    كَما مالَ نَشوانٌ تَشَرَّبَ إِسفَنطا يُرَنِّحُها مَرُّ النَسيمِ إِذا سَرى
    سَواءٌ لَدَيها الغَيثُ أَسكَبَ أَم أَبطا يَشُقُّ رِياضاً جادَها الجودُ وَالنَدى
    بِحاراً غَدا عَرضُ البَسيطِ لَها شَطّا وَسالَت بِسَلسالِ اللُجَينِ حِياضُهُ
    هِيَ الشَمسُ لا تَخشى كُسوفاً وَلا غَمطا تَطَلَّعُ مِنها وَسطَ وُسطاهُ دُميَةٌ
    سَنا البَدرِ حَلَّ مِن نُجومِ السَما وَسطا حَكَت وَحَبابُ الماءِ في جَنَباتِها
    عَلى جِسمِها الفِضِّيِّ نَهراً بِها لُطّا إِذا غازَلَتها الشَمسُ أَلقى شُعاعُها
    نُقوشاً كَأَنَّ المِسكَ يَنقُطُها نَقطا تَوَسَّمتُ فيها مِن صَفاءِ أَديمِها
    فَإِنّي لَها في الحُسنِ دُرَّتها الوُسطى إِذا اِتَّسَقَت بيضُ القِبابِ قِلادَةً
    عَذارى نَضَت عَنها القَلائِدَ وَالرَيطا تَكَنَّفُني بيضُ الدُمى فَكَأَنَّها
    وَأَجمَلَ في تَنعيمِها النَحتَ وَالخَرطا قُدودٌ وَلَكِن زادَها الحُسنَ عُريُها
    قَواريرُ أَفلاكِ السَماءِ بِها ضَغطا نَمَت صُعُداً تيجانُها فَتَكَسَّرَت
    بِأَكنافِهِ رَحلُ العُلى وَالهُدى حُطّا فَيا لَكَ شَأواً بِالسَعادَةِ آهِلاً
    ➀ التمهيد :
    - عرف المغرب طفرة حضارية، كما في المشرق و الأندلس، منذ عهد الدولة الإدريسية، خاصة في المجال العمراني الذي بلغ أوجه في عهد السعديين، فبنيت المساجد و القصور، و واكب الشعر المغربي هذه التحولات الحضارية و الاجتماعية، و كان الشاعر عبد العزيز الفشتالي من الشعراء الذين رصدوا هذه التحولات في أشعارهم.
    - نوعية النص : القصيدة التي بين أيدينا قصيدة عمودية للشاعر المغربي عبد العزيز الفشتالي في فن الوصف.
    - صاحـب النص: هو أبو فارس عبد العزيز الفشتالي (952-1032 هـ)، شاعر مغربي قربه المنصور السعدي منه وزيرا له وعده من مفاخر دولته.
    - ظروف النص: امتدت فتوحات المنصور السعدي إلى جنوب المغرب، فكان أن قرب منه شاعرنا الفشتالي، وعينه وزيرا له يعينه على أعباء الدولة، فراح الشاعر يؤرخ لأمجاد أمته ومظاهر حضارتها، عبر أشعاره الخالدة.
    ➁ ملاحظة النص و صياغة الفرضية:
    - العنوان: جاء العنوان جملة اسمية مكونة من مركب وصفي، تركيبيا. أما دلاليا، فالعنوان يتكون من كلمتين: "القبة" تدل على بناء هندسي شكله مقعر، و"الخمسينية" تدل على العدد الترتيبي لهذه القبة التي تتواجد مجموعة من القباب.
    - الفرضية: نفترض من خلال الشكل الهندسي للنص (تناظر الشطرين، وحدة الروي، وحدة القافية)، وصاحبه، وعنوانه، والبيت الخامس من النص أن يكون، قصيدة شعرية عمودية تنتمي إلى محور الشعر العربي و التحولات الحضارية والاجتماعية، وتندرج ضمن غرض الوصف، و ربما سيصف فيها الشاعر إحدى القباب التي شيدها المنصور السعدي، والتي كانت فتنة لناظرين ونموذجا للإبداع والابتكار في مجال العمارة والنحت، والتي جعلها تفوق، في الحسن، مثيلاتها ، فهي بمثابة الدرة الوسطي للقلادة.
    ➂ فهم النص :
    ✔ المضمون العام: وصف الشاعر، على لسان القبة الخمسينية، محاسنها ومفاخرها ومدحها لمشيدها المنصور السعدي.
    ✔ وحدات النص الأساسية :
    - الوحدة الأولى (من البيت 1 الى البيت 6): استعراض الشاعر مكانة وحسن القبة الخمسينية
    - الوحدة الثانية (من البيت 7 الى البيت 14): وصف الشاعر لما يحيط بالقبة من جمال الطبيعة ومظاهر العمارة والنحت.
    - الوحدة الثالثة (من البيت 15 الى البيت 18): تفوق القبة الخمسينية على أقرانها حسنا ورونقا، وتمجيد الشاعر لمشيده.
    ➃ تحليل النص:
    ➀ المستوى المعجمي:
    يبدو أن الشاعر صور لنا جمال القبة الخمسينية، وروعة العمارة والنحت، عبر توظيفه لمعجم شعري موضوعي يتوزع إلى حقلين دلاليين هما:
    حقل دال على الطبيعة حقل دال على الإنسان
    البدر، قرص الشمس، الثريا، النجوم، البحر، نهر، المجرة، الرياض، الزهر، الغيث، الماء، الشمس، حياضه... الإكليل، التاج، السماحة، السعادة، مرفقي، الجود والندى، جسمها، الوسطي، عذارى، نثير جمان....
    - يتضح من خلال استقراء معجم النص أن الألفاظ الدالة على الطبيعة هي المهيمنة في النص، لكون الشاعر يصف القبة والطبيعة المحيطة بها. كما عمل على ربط المعجم الطبيعي بالألفاظ الدالة على الإنسان حتى يضفي طابع الحركية على هيئتها. والعلاقة القائمة بين الحقلين الدلاليين علاقة تفاعل وتكامل على اعتبار أن الشاعر أسند مجموعة من الخصائص الإنسانية إلى القبة التي تقع وسط طبيعة باهية تثير الناظرين.
    ➁ المستوى التصويري الفني:
    قصد إضفاء جمالية ورونق على القصيدة، وظف الشاعر كوكبة من الصور الشعرية، نجد في مقدمتها:
    - التشبيه في الأبيات (3، 12، 16): إذ نجده شبه في البيت (3) أطواق هذه القبة عندما تعكس نور النجوم ببقايا اللؤلؤ. كما شبه في البيت (12) حباب الماء بجوارها بضوء البدر. كما نجده شبه في البيت (16) باقي القباب التي تحيط بالقبة الخمسينية بالعذارى.
    - الاستعارة في البيتين الأول والثاني، حيث نجد أن الشاعر استعار من الإنسان المرفق والعنق ونسبهما إلى القبة، غلا أنه لم يصرح باللفظ المستعار منه وإنما ذكر أشياء ترمز إليه (العنق، المرفق) على سبيل الاستعارة المكنية.
    - الأنسنة: وذلك من خلال إسناده للقبة مجموعة من الصفات الخاصة بالإنسان.
    ➂ المستوى الإيقاعي:
    ✔ الإيقاع الخارجي:
    - الوزن: نظم الشاعر القصيدة على منوال بحر الطويل حيث جاءت العروض مقبوضة (مفاعلن والضرب صحيح (مفاعيلن).
    - القافية: قافية متواترة (/0/0) مطلقة وموصولة بألف.
    - الروي: حرف الطاء.
    ✔ الإيقاع الداخلي:
    - الطباق: (سموت، انحطا،).
    - الجناس (وسط، وسطاه...).
    - التكرار بنوعيه: تكرار الحروف (الطاء، الصاد، الجيم...)، وتكرار الكلمات (الندى، الشمس، القبة، السماء..).
    ➃ المستوى التركيبي:
    - الضمائر: تؤدي الضمائر دورا أساسيا داخل بنية القصيدة، وخاصة ما يتعلق بما هو تعبيري ودلالي. لذلك لجأ شاعرنا إلى توظيف ضمير المتكلم الذي يعود على القبة الخمسينية (سموت، دوني، أذني،...) دلالة على جمالها المادي والروحي، لكون الكلام خاصية من خصائص الإنسان. فالشاعر حاول من خلال إسناد الكلام إليها وهذا ما يعرف بأنسنة الأشياء. وإلى جانب ذلك نسجل حضور ضمير الغائي الذي يعود على القباب المجاورة للقبة الخمسينية وعلى مختلف عناصر الطبيعة الحية أو الميتة.
    - الجمل: نسجل، من خلال قراءتنا للقصيدة، أن الشاعر قد أكثر من الجمل الفعلية (سموت فخر البدر دوني، أصبح قرص الشمس، عقدت عليه الجسر) تعبيرا عن الجو العام للنص الشعري الذي يدعو إلى الحركية والدينامية والتجديد. والملاحظ هو أن هذه الجمل أضفت على القصيدة دينامية فنية وتعبيرية. وبما أن القصيدة تحفل بالجمل الفعلية، فإننا نسجل حضور أفعال دالة على الماضي (لاحت، سالت، حكت...) أسندت إلى القبة نظرا لكون الشاعر يتحدث بلسانها.
    - الأساليب: وظف الشاعر في قصيدته مجموعة من الأساليب نذكر منها: أسلوب التعجب (في البيت الثامن عشر)، ثم أسلوب الشرط (8، 13، 15) وأسلوب التأكيد (4). وقد جاءت هذه الأساليب على لسان القبة كي تستعرض ما تفردت به من محاسن ومفاخر، مما جعلها تتميز، على امتداد النص، عن باقي القباب الأخرى التي شيدها المنصور السعدي داخل قصر البديع.
    ➄ التركيب :
    من خلال دراستنا لهذا النص، ملاحظة وفهما وتحليلا مرورا بالمستويات الدلالية والإيقاعية والبلاغية والتركيبية، أمكن القول أن هذا النص قصيدة شعرية تستجيب لخصائص ومظاهر التحولات الحضارية والاجتماعية التي شهدها المغرب خلال الدولة السعدية، حيث إن الشاعر تمرد عن كل مظاهر الحياة العربية القديمة بكل تمثلانها، داعيا إلى مسايرة مظاهر الحياة الحضارية، ووصف ما رأته العين، وما يعرفه الذوق العام. ولأجل تلك الغاية حاول الشاعر أن يضع القارئ أمام الصورة التي هي عليها القبة الخمسينية التي شيدها المنصور السعدي. وذلك من خلال توظيفه لمعجم شعري يتألف من حقول دلالية تعكس التحولات الحضارية في بلاد الأندلس، وإيقاع شعري مزج فيه بين مظاهر الطبيعة والعمران. هذا إلى جانب تسلحه بمجموعة من الصور الشعرية القائمة على أساس البلاغة العربية القديمة كالاستعارة والتشبيه والمجاز و الأنسنة، مما يعكس مدى التزامه بمقومات الشعر العربي القديم.