تحضير نص تمثال رائع -->

تحضير نص تمثال رائع


تحضير نص تمثال رائع

    تحضير نص تمثال رائع للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    تحضير نص تمثال رائع للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    تمثال رائع

    نشب وافر وجاه عريض غمرتني لك الأيادي البيض
    جال في وصفيها فضل القريض بوأتني نعماك جنة عدن
    ونسيم يشفي النفوس مريض مجتنى مدن وظل برود
    رض تذهيبته لها تفضيض ومياه قد أخجل الورد أن عا
    نى لبرق الرخام فيه وميض جاورت حمة مشيدة المب
    سلسل بحره الزلال يفيض مرمر أوقد الفرند عليه
    كل منها ويفتن التبعيض وسطها دمية يروق اجتلاء ال
    ومحيا طلق وطرف غضيض بشر ناصع وخد أسيل
    بان إذ علة ثراه الأريض وقوام كما استقام قضيب ال
    ه أراك اتستاقه الإغريض وابتسام لو أنها استغربت في
    عطر الدهر منه مسك فضيض حسبي النصح والوداد وشكر
    هم حديث ما بينهم مستفيض فاعتراف الملوك أنك مولا
    ➀ التمهيد :
    - فتحت الأندلس و استقر بها الحكم العربي الإسلامي، و اختلطت فيها الأجناس و الأعراق من عرب و بربر و روم وسكان أصليين و بني مجتمع أندلسي عن طريق المصاهرة و الموالاة و الإقامة، فغدت مثالا للتلاقح الحضاري و التعايش الاجتماعي. فكانت الأندلس بالإضافة إلى طبيعتها الخلابة موطن فن العمارة و ما لازمه من بستنة و حدائق و إجراء مياه. كل هذا ساهم في إخصاب خيال الشعراء بالصور الرائعة و أمد معجمهم بألفاظ حضارية جديدة.
    - نوعية النص: القصيدة التي بين أيدينا قصيدة عمودية للشاعر الأندلسي ابن زيدون في مدح المعتمد بن عباد.
    - صــاحـب النص: هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي (394-463 هـ / 1003-1070 م)، من مواليد الرصافة بالقرب من مدينة قرطبة الأندلسية، عاش يتيما وتكفل به جده من جهة الأم، وعاش في وسط عائلي يحرص على اكتساب العلم والثقافة والأدب. خلف ديوانا شعريا ضخما جمع فيه مختلف الأغراض الشعرية وأبوابه المطروقة في عصر.
    ➁ ملاحظة النص و صياغة الفرضية:
    - العنوان: جاء العنوان جملة اسمية مكونة من مركب وصفي، تركيبيا. أما دلاليا، فالعنوان يوحي على أن الشاعر قد انبهر واندهش لما رآه، وهذا يوضح مدى روعة البيئة الأندلسية التي افتتن بها الشاعر، مما جعله يصفها بأوصاف جميلة.
    - الفرضية: نفترض من خلال الشكل الهندسي للنص (تناظر الشطرين، وحدة الروي، وحدة القافية)، وصاحبه، وعنوانه، والبيت الأول والأخير من النص أن يكون قصيدة شعرية عمودية تنتمي إلى محور الشعر العربي و التحولات الحضارية والاجتماعية، وتندرج ضمن غرض الوصف ،وربما سيعبر فيها الشاعر عن شكره وامتنانه لأمير إشبيلية عن السماح له بزيارة إحدى حدائق قصره، واصفا مظاهر الطبيعة الأندلسية ومعمارها الفاتن.
    ➂ فهم النص :
    ✔ المضمون العام: تعبير الشاعر عن شكره لممدوحه أمير إشبيلية، لما أتاح له من التفاتة كريمة، ووصفه لحديقة قصره، والتغني بمظاهرها الخلابة، واعترافه بالجميل والامتنان للأمير داعيا له بالدوام والصحة والنصر على الأعداء.
    ✔ وحدات النص الأساسية:
    - الوحدة الأولى (من البيت 1 الى البيت 3): مدح الشاعر للأمير، وإعرابه عن شكره له نظرا للمكانة المرموقة التي منحها إياه.
    - الوحدة الثانية (من البيت 3 الى البيت 14): افتتان الشاعر بحديقة القصر، والتغني بمظاهرها الخلابة.
    - الوحدة الثالثة (من البيت 14 الى البيت 16): اعتراف الشاعر بالجميل والامتنان للأمير والدعاء له.
    ➃ تحليل النص:
    ➀ المستوى المعجمي:
    يبدو أن الشاعر صور لنا جمال طبيعة الحديقة، وروعة العمارة والنحت، عبر توظيفه لمعجم شعري موضوعي يتوزع إلى ثلاثة حقوق دلالية هي:
    حقل دال على الممدوح حقل دال على الطبيعة حقل دال على العمارة والنحت
    الأيادي البيض، نشب وافر، جاه عريض، غض عريض، نعماك، اهتبال... نسيم، مياه، جنة عدن، الورد مجتنى، غنت الحمائم، ظل برود، مياه، ... تمثال، حمة مشيدة، الرخام، مرمر، الفرني، دمية،...
    - يتبين من خلال استقراء معجم النص أن العلاقة القائمة بين الحقول الدلالية هي علاقة سببية متكاملة، حيث نجد الشاعر يمدح ويشكر الأمير على حسن صنعه معه، عندما أباح له التنزه في إحدى حدائق قصره، وجعله يستمتع بجمالها الرائق، وينعم بروعتها. الشيء الذي مكنه من وصف ما تشاهده عينه، فوصف الحديقة بكل مناظرها ومظاهرها، إلا أنه أسهب في وصف العمارة والنحت وذلك من خلال وصفه للدمية "التمثال". وذلك بوقوفه عند أجزائها كما لو انها حسناء حقيقية. وبذلك يكون الشاعر قد استطاع أن يقربنا من الحضارة الأندلسية وما عرفته من ازدهار وتقدم معماري وعيش رغيد.
    ➁ المستوى التصويري الفني:
    قصد إضفاء جمالية ورونق على القصيدة، وظف الشاعر كوكبة من الصور الشعرية، نجد في مقدمتها:
    - المجاز في قوله "غمرتني لك الأيادي"، فالشاعر لا يقصد بلفظ "الأيادي" الأيادي الحقيقية، بل يريد بها النعم والعطايا والهدايا، فالعلاقة القائمة بين المعنيين (الحقيقي والمجازي) هي علاقة سببية، لأن اليد هي سبب تقديم العطايا والنعم. (مجاز مرسل).
    - الاستعارة في قوله "ومياه قد أخجل الورد". فقد أسند الشاعر صفة إنسانية للورد على سبيل الاستعارة المكنية..
    - التشبيه في قوله: " كلما غنت الحمائم قلنا معبد أجاب الغريض". حيث شبه الشاعر ضمنيا غناء وهديل الحمائم بغناء أحد أعلام الغناء في الدولة الأموية لاشتراكهما في صفة العذوبة واللحن.
    ➂ المستوى الإيقاعي:
    ✔ الإيقاع الخارجي:
    - الوزن: نظم الشاعر القصيدة على منوال بحر الخفيف ذي العروض المخبونة (فعلاتن)، والضرب الصحيح (فاعلاتن)...
    - القافية: قافية متواترة (/0/0) مطلقة مردوفة وموصولة بواو.
    - الروي: حرف الضاد.
    - التصريع في مطلع القصيدة.
    ✔ الإيقاع الداخلي:
    - التكرار: تكرار الحروف والأصوات (الياء، الصاد، الراء، الضاد..)، وتكرار الكلمات (الدهر، غريض..)،
    - الجناس (عريض، غريض)، (القريض، الغريض)، (فضيض، تفضيض)، (وميض، مهيض ).
    - الطباق (الكل# التبعيض)، (مهبض# موقى).
    ➃ المستوى التركيبي:
    ✔ الضمائر: نلاحظ أن الشاعر أثناء وصفه للحديقة، وظف ضميرين هما:
    - ضمير المتكلم الدال عليه (غمرتني، بوأتني، حبي...).
    - ضمير المخاطب الدال على الأمير الممدوح (نعماك، مساعيك، لك الأيادي البيض...).
    إن حضور هذين الضميرين يجسد نوع العلاقة التي كانت تربط الأمير بالشاعر وهي علاقة جد متميزة، حيث إن الأمير سمح لوزيره التمتع بمناظر حديقته، وكان جزاء الوزير للأمير هو نظم هذه القصيدة يعبر فيها عن شكره وامتنانه له مع ذكر أهم الصفات الحميدة التي تميزه.
    ✔ الجمل: نسجل، من خلال قراءتنا للقصيدة، أن الشاعر قد زاوج بين الجمل الفعلية (غمرتني الأيادي، غنت الحمائم، جاورت حمة مشيدة) للدلالة على حركية و دينامية المناظر الخلابة التي تتميز بها الحديقة، والجمل الاسمية (نشب وافر، جاه عريض، بشر ناصع، حسبي النص...)، للدلالة على ثبات واستقرار الخصال الحميدة التي يتصف بها الممدوح من جهة، وثبات صفات التمثال الذي يوجد في فناء الحديقة
    ➄ التركيب :
    من خلال دراستنا لهذا النص، ملاحظة وفهما وتحليلا مرورا بالمستويات الدلالية والإيقاعية والبلاغية والتركيبية، أمكن القول أن هذا النص قصيدة شعرية تستجيب لخصائص ومظاهر التحولات الحضارية والاجتماعية، حيث إن الشاعر تمرد عن كل مظاهر الحياة العربية القديمة بكل تمثلانها، داعيا إلى مسايرة مظاهر الحياة الحضارية، ووصف ما رأته العين، وما يعرفه الذوق العام. ولأجل تلك الغاية حاول الشاعر أن يضع القارئ أمام الصورة التي كانت عليها الأندلس إبان حكم ابن عباد أمير إشبيلية. وذلك من خلال توظيفه لمعجم شعري يتألف من حقول دلالية تعكس التحولات الحضارية في بلاد الأندلس، وإيقاع شعري مزج فيه بين مظاهر الطبيعة والعمران. هذا إلى جانب تسلحه بمجموعة من الصور الشعرية القائمة على أساس البلاغة العربية القديمة كالاستعارة والتشبيه والمجاز و الأنسنة، مما يعكس مدى التزامه بمقومات الشعر العربي القديم، وتبعية الأدب الأندلسي، في بدايته الأولى، للأدب المشرقي.