تحضير نص مساميح بالمعروف للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية
مساميح بالمعروف
أهاجَكَ بالبَيْداء رَسْمُ المنازِلِ نعم قد عفاها كلُّ أسحَمَ هاطِلِ وجرّتْ عليها الرّامساتُ ذُيولَها فلم يبقَ منها غيرُ أشعثَ ماثلِ دِيَارُ الّتي رَاقَ الفؤادَ دلالُها وعزّ علينا أن تجودَ بنائلِ لها عَينُ كحْلاءِ المدامع مُطْفِلٍ تُرَاعي نَعاماً يرْتعي بالخمائلِ ديارُ التي كادَتْ ونحنُ على مِنً تَحُلُّ بنا لوْلا نجاءُ الرّواحلِ ألا أيّها السّاعي ليُدرِكَ مجْدَنَا نأتكَ العُلى ، فارْبعْ عليك، فسائلِ فهل يستوي ماأنِ أخضرُ زاخرٌ وحِسْيٌ ظَنونٌ، ماؤه غيرُ فاضِلِ فمن يعدلُ الأذنابَ ويحكَ بالذرى قدِ اختَلَفَا بِرٌّ يَحُقُّ بباطِلِ تناوَلْ سُهيْلاً في السماءِ، فهاتِهِ ستدركنا إنْ نلتهُ بالأناملِ ألَسْنَا بِحلاّليَن أرْضَ عَدُوّنَا تأرَّ قلِيلاً، سلْ بنا في القبائلِ تجِدنا سبَقنا بالفَعال وبالنّدى وأمرِ العوالي في الخطوبِ الأوائلِ ونحن سبقنا الناسَ مجْداً وسودَداً تليداً، وذكراً نامياً غيرَ خاملِ لنا جبلٌ يعلو الجبالَ مشرفٌ فنحنُ بأعلى فرعهِ المتطاولِ مساميحُ بالمعرُوفِ، وَسطَ رِحالِنا وشُبّانُنا بالفُحشِ أبخَلُ باخِلِ وَمَنْ خَيْرُ حَيٍّ تعلمون لسائلٍ عفافاً، وعانٍ موثَقٍ بالسلاسلِ وَمَنْ خَيرُ حيٍّ تعلَمونَ لجارِهمْ إذا اختارَهمْ في الأمنِ أوْ في الزّلازِلِ وفينا إذا ما شبتِ الحربُ سادة كهولٌ وفتيانٌ طوالُ الحمائلِ نَصَرْنا، وآوَينا النبيَّ، وَصَدّقتْ أوَائِلُنا بالحَقّ، أوّلَ قائِلِ وكُنّا مَتَى يَغْزُ النبيُّ قبيلَة نصلْ حافتيهِ بالقنا والقنابلِ ويومَ قريشٍ إذْ أتونا بجمعهمْ وطئنا العدوَّ وطأة َ المتثاقلِ وفي أُحْدٍ يوْمٌ لهمْ كان مخزياً نطاعنهمْ بالسمهريّ الذوابلِ وَيَوْمَ ثَقيفٍ، إذْ أتيْنا ديارَهمْ كتائبَ نمشي حولها بالمناصلِ ففَرّوا وَشدّ اللَّهُ رُكْنَ نَبيّهِ بكلّ فتى حامي الحقيقة باسلِ ففرّوا إلى حصْنِ القُصُورِوغلّقوا وكائنْ ترى من مشفقٍ غيرِ وائلِ وَأعطَوْا بأيديهمْ صَغاراً وتابعوا فأوْلى لكم أوْلى ، حُداة الزّواملِ وإني لسهلٌ للصديقِ، وإنني لأعْدِلُ رأسَ الأصْعرِ المُتمايِلِ وأجعلُ مالي دونَ عرضي وقاية وأحجبهُ كي لا يطيبَ لآكلِ وأيُّ جديدٍ ليسَ يدركهُ البلى وأيُّ نعيمٍ ليسَ يوماً بزائلِ
➀ التمهيد :
- إذا كان شعراء الجاهلية قد اعتدوا بقوة قبائلهم وسطوتها في الحروب، فإن شعراء صدر الإسلام قد تجندوا للدفاع عن الدعوة الإسلامية وعن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وكان حسان بن ثابت أهمهم، لذلك أصبح شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحثه على نظم الشعر وهجو كفار قريش. وفي هذه القصيدة اللامية يفتخر الشاعر بقومه - الأنصار- الذين استقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إليها من مكة المكرمة.والعلاقة بين هذه القصيدة وقصيدة (وتجلدي للشامتين) لأبي ذؤيب الهذلي تتجلى في كون القصيدتين تنتميان إلى العصر الإسلامي، إلا أن الثانية تعبر عن الذات، والأولى تعبر عن الجماعة، وذلك ما سنراه عند تحليلنا لهذه القصيدة إن شاء الله رب العالمين.
- صاحب النص: هو حسان بن ثابت الأنصاري، من قبيلة الخزرج، من الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام. عاش المرحلة الأولى في الجاهلية وتمتد زهاء ستين سنة. والمرحلة الثانية تحول بعد إسلامه في السنة الأولى من الهجرة إلى شاعر صهرت العقيدة الجديدة وجدانه. واهتم في شعره قبل أن يسلم باللهو والهجاء والفخر والمدح أما بعده فقد أصبح بلقب بشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم. ويدافع عن الدعوة الجديدة ويهجوا الكفار هجاءا موجعا، ويعد أقوى شاعر اعتمد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الدفاع عن قضايا المسلمين.
➁ ملاحظة النص و صياغة الفرضية:
✔ شكل القصيدة: هو عبارة عن قصيدة عمودية قائمة على نظام الشطرين المتناظرين، وهذا الشكل يوحي بأنها قصيدة تنتمي إلى الشعر القديم.✔ عنوان القصيدة: مساميح بالمعروف
- على المستوى التركيبي: العنوان جاء عبارة عن خبر لمبتدأ محذوف تقديره(نحن).
- على المستوى الدلالي: مساميح: على وزن مفاعيل، وهو من التسامح والعفو والصفح. المعروف: وهو التعامل بالحسنى. وكل من المكونين يشير إلى صفة إسلامية تدل على ما يتميز به قوم الشاعر من أخلاق إسلامية حميدة.
✔ قراءة في البيت الأخير: يشير الشاعر في هذا البيت إلى نصرة قومه للنبي صلى الله عليه وسلم، وتصديقهم له عليه الصلاة والسلام.
✔ فرضية النص: من خلال المؤشرات (شكل النص، العنوان، البيتي الأخير) نفترض أننا أمام قصيدة عربية قديمة، سيفخر فيها الشاعر بقبيلته و بشيمها وخصالها الإسلامية الحميدة
➂ فهم النص :
✔ الايضاح اللغوي:- أهاج: من هيج بمعنى أثار
- عفاها: محاها
- الرامسات: الرياح.
- النائل: ما ينال ويدرك أو هي العطية.
- اربع: بمعنى ابتعد
- زاخر: كريم مرتفع.
- فاضل: قليل يكفي لسد الحاجة فقط
- الذنب: الذنب من كل شيء آخره.
- ويح: بمعنى ويل
- الذرى: الأمكنة المرتفعة.
- البر: الخير.
- تليدا: قديما.
- الرحال: ما يأخذه المسافر من أثاث في سفره.
- العفاف: الامتناع عما لا يحسن قولا أو فعلا.
- العاني: الأسير.
✔ الوحدات الأساسية للقصيدة:
- الوحدة الأولى (من البيت 1 البيت 3): يستهل الشاعر قصيدته بمقدمة طللية يصف فيها ديار الحبيبة التي انمحت معالمها بعد تعاقب الأمطار والرياح عليها، ويصف كذلك ما اتصفت به الحبيبة من الامتناع والصدود.
- الوحدة الثانية (من البيت 4 إلى 8): خطاب الشاعر إلى كل من يسعى إلى إدراك مجد قومه، مشبها إياهم بالماء الصافي، وبذرى الجبال وبسهيل، ليؤكد استحالة الوصول إلى شأنهم.
- الوحدة الثالثة (من البيت 9 إلى 16): افتخار الشاعر بقومه معددا خصالهم وشيمهم كالجود والمجد والسؤدد وعلو المرتبة والتسامح والإعراض عن الفحش، والعفاف وحسن الجوار في الشدة والرخاء، والقوة في الحروب، ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقهم برسالته عليه السلام.
✔ المضمون العام للقصيدة: استهلال الشاعر لقصيدته بمقدمة طللية يصف فيها ديار الحبيبة التي أصبحت أطلالا، ثم انتقاله ليفتخر بقبيلته وبمجدها وبأخلاقها الحميدة وشرفها ومجدها وسؤددها ونصرتها للنبي صلى الله عليه وسلم.
✔ ملحوظة: تعتبر المقدمة الطللية أو الغزلية قاعدة سار عليها القدماء كافتتاحية تهيئ المتلقي لسماع الموضوع الأصلي، كما تشحذ قريحة الشاعر لتجود بأحسن الشعر.
➃ تحليل النص:
➀ المستوى المعجمي:
حقل المجد والسؤدد | حقل الأفضلية |
---|---|
مجدنا، حلالين أرض عونا، سبقنا الناس، مجدا تليدا، لنا جبل يعلو.. | الأبيات 5، 6، 7 |
➁ المستوى التركيبي:
الضمير المهيمن:- بما أن الشاعر يفتخر بقومه (الأنصار)، فإن الضمير المهيمن هو ضمير المتكلم الجمع (مجدنا، تدركنا، ألسنا، عدونا، تجدنا، نحن...) فذات الشاعر تنصهر ضمن قومه ليشكلوا وحدة لا تتجزأ.
- كما يتضمن النص ضمير المخاطب (أهاجك، لتدرك، نأتك، اربع، عليك، ويحك، تناول...) وهو خطاب إلى الآخرين ليحط من شأنهم وليرفع شأن قومه.
➂ الأسلوب:
زاوج الشاعر بين الأسلوبين الخبري و الإنشائي: ✔ الأسلوب الخبري نذكر (جرت عليها الرامسات ذيولها)، (مساميح بالمعروف)، ....
- وظيفته: الإخبار عن مجد القبيلة وأخلاقها الإسلامية الحميدة.
✔ كما يتضمن النص صيغا إنشائية وهي:
- الأمر: (اربع، سائل، تناول، هاته، سل...) وتهيمن حين يخاطب الشاعر الآخر معتدا بقومه.
- الاستفهام: (البيت 5) فهل يستوي ماءان ..؟، ألسنا بحلالين أرض عدونا؟
- النداء: (ألا أيها الساعي).
-وظيفته: نقل انفعالات الشاعر وعلاقته المتوترة بالمخاطب.
➃ المستوى البلاغي (الصور الشعرية)
أغنى الشاعر قصيدته بمجموعة من الصور الفنية، موظفا تقنيات وأدوات بلاغية أكسبت النص جمالية منها: - الاستعارة: في البيت الثاني (جرت عليها الرامسات ذيولها) مشبها الرياح بامرأة تلبس ثوبا مذيلا والاستعارة مكنية.
- التشبيه الضمني في البيت الخامس حيث شبه ضمنيا قومه بالماء الصافي وخصومهم بالماء العكر
- الكناية في (طوال الحمائل) كناية عن الشجاعة وطول القامة.
- إضافة إلى ذلك وظف الشاعر مجموعة من المحسنات البلاغية كالطباق وقد وُظف بكثرة من قبيل: (بر≠ باطل، ناميا≠ خامل، الأمن≠ الزلازل، كهول≠ فتيان...).
وقد لعب الطباق دورا في إبراز أوجه الاختلاف بين قوم الشاعر والآخرين.
➄ المستوى الإيقاعي:
✔ الإيقاع الخارجي:- نظم الشاعر قصيدته على بحر الطويل:
أهاجَكَ بالبَيْداء رَسْمُ المنازِلِ | نعم قد عفاها كلُّ أسحَمَ هاطِلِ |
أهاج | كبلْبيدا | ء رسمل | منازلي |
---|---|---|---|
- - ه - | - - ه - ه - ه | - - ه - ه | - - ه - - ه |
فعول | مفاعيلن | فعولن | مفاعلن |
نعم قد | عفاها كل | لأسح | م هاطلن |
---|---|---|---|
- - ه - ه | - - ه - ه - ه | - - ه - | - - ه - - ه |
فعولن | مفاعيلن | فعول | مفاعلن |
أما القافية فهي(هاطل) بالنسبة لهذا البيت.
أما الروي فهو(اللام).
✔ الإيقاع الداخلي:
ومما ساهم في تشكيل موسيقى النص أيضا ظاهرة التكرار من ذلك نجد:
- الحروف: نلاحظ تكرارا لحرف اللام (الروي) والسين والميم مما أضفى على النص توازنا صوتيا.
- الألفاظ والعبارات: تتكرر كلمات و عبارات مثل: تعلمون، سبقنا، من خير، سائل، وهي ألفاظ لها علاقة بموضوع الفخر بالجماعة.
✔ الملاحظ من خلال دراسة إيقاع هذه القصيدة ما يلي: وحدة الوزن، وحدة القافية، وحدة الروي، الانطلاق من إيقاع داخلي.
➄ التركيب :
نخلص في الأخير إلى أن قصيدة " مساميح بالمعروف (للشاعر الإسلامي) حسان بن ثابت، هي قصيد عربية قديمة يفخر فيها الشاعر بمجد قبيلته وخصالها الإسلامية، ونصرتها للنبي صلى الله عليه وسلم.وللتعبير عن كل ذلك استعان الشاعر بعجم قسمه إلى حقلين دلاليين، إضافة إلى مجموعة من الصور الشعرية كالكناية والاستعارة المكنية والتشبيه الضمني، إضافة إلى بعض المحسنات البديعية كالطباق، كما استعان بضمير المتكلم الجمع للتعبير عن قوة قبيلته وسطوتها، إضافة إلى ضمير المخاطب المفرد للرفع من شأن قبيلته والحط من شأن الخصوم، كما زاوج بين الجمل الخبرية والجمل الإنشائية لكونه أردا إخبار المتلقي بخصال قبيلته ومجدها من جهة، ولأنه أراد نقل انفعالاته وعلاقته المتوترة مع المخاطبين من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى وزن متميز بطول النفس ناسب غرض القصيدة وإيقاع داخلي ساعده على إيصال المعاني التي يريد إلى المتلقي. في النهاية لا يسعنا إلا أن نقول أن هذه القصيدة مثلت شعر التعبير عن الجماعة، وعن القيم الإسلامية الحميدة التي أصبح يتميز بها المجتمع العربي خير تمثيل.