تحضير نص أنا الوامق المشغوف -->

تحضير نص أنا الوامق المشغوف


تحضير نص أنا الوامق المشغوف

    تحضير نص أنا الوامق المشغوف للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    تحضير نص أنا الوامق المشغوف للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية

    أنا الوامق المشغوف

    وَمُنتَقِمي مِمَّن يَجورُ وَيَظلِمُ أَنا الوامِقُ المَشغوفُ وَاللَهُ ناصِري
    أُراعي الثُرَيّا وَالخَلِيّونَ نُوَّمُ أَنا الناحِلُ المَهمومُ وَالقائِمُ الَّذي
    وَأَشرَبُ كَأساً فيهِ سُمٌّ وَعَلقَمُ أَظَلُّ بِحُزنٍ دائِمٍ وَتَحَسُّرٍ
    بِروحِيَ تَقضي ما تُحِبُّ وَتَحكُمُ فَحَتّامَ يا لَيلى فُؤادي مُعَذَّبٌ
    كَوَجدي بِلَيلى لا وَلَم يَلقَ مُسلِمُ لَعَمرِيَ ما لاقى جَميلُ بنُ مَعمَرٍ
    وَلَم يَلقَهُ قَبلي فَصيحٌ وَأَعجَمُ وَلَم يَلقَ قابوسٌ وَقَيسٌ وَعُروَةٌ
    وَلا كادَ داوُودٌ مِنَ الحُبِّ يَسلَمُ صَبا يوسُفٌ وَاِستَشعَرَ الحُبَّ قَلبُهُ
    وَتَوبَةُ أَضناهُ الهَوى المُتَقَسِّمُ وَبِشرٌ وَهِندٌ ثُمَّ سَعدٌ وَوامِقٌ
    وَماروتُ فاجَأهُ البَلاءُ المُصَمِّمُ وَهاروتُ لاقى مِن جَوى الحُبِّ سَطوَةً
    أَبو القاسِمِ الزاكي النَبيُّ المُكَرَّمُ وَلَم يَخلُ مِنهُ المُصطَفى سَيِّدُ الوَرى
    وَدَمعي عَلى خَدّي يَفيضُ وَيَسجُمُ أَبيتَ صَريعَ الحُبِّ أَبكي مِنَ الهَوى
    مُنَعَّمَةُ اللَحظَينِ تَبري وَتُسقِمُ وَلَولا طُروقُ اللَيلِ أَودَت بِنَفسِهِ
    فَلا قَلبُهُ يَسلو وَلا هِيَ تَرحَمُ إِذا هِيَ زادَت في النَوى زادَ في الهَوى
    لَها بَينَ جَنبَيهِ سَعيرٌ مُضَرَّمُ أَعارَتهُ أَنفاسُ الصَبا بِكِ صَبوَةً
    وَإِن لَم يَفُه يَوماً بِهِ مُتَكَلِّمُ أَلا إِنَّ دَمعَ الصَبِّ عَمّا يُجِنُّهُ
    وَدَمعي فَصيحٌ في الهَوى وَهوَ أَعجَمُ لِساني عَيِيٌّ في الهَوى وَهوَ ناطِقٌ
    وَهَل يَكتُمُ الوَجدَ اِمرُؤٌ وَهوَ مُغرَمُ وَكَيفَ يُطيقُ الصَبُّ كِتمانَ سِرِّهِ
    بَرامَةِ حَزوى عَرفُهُ يَتَقَدَّمُ عَذيرَيَ مِن طَيفٍ أَتى بَعدَ مَوهِنٍ
    وَأَطرافُهُ تَبكي النَدى ثُمَّ تَبسِمُ تَنَفُّسَ رَوضٍ جادَهُ ماءُ مُزنَةٍ
    ➀ التمهيد :
    ✔ الغزل هو حديث القلب العاشق للقلب العاشق، و النفس المرهفة للنفس المرهفة. و قد حفظ لنا تاريخ الغزل في الشعر العربي أسماء شعراء عانوا تجربة الحب معاناة فاعلة و منفعلة.
    - يتميز الشعر العذري أو الغزل بأنه شعر يروي قصص الحب الصريحة و الصحيحة، أي هو شهر الحب العفيف المحتشم البعيد عن التبدل و التفسخ.
    - من الشعراء المشهورين بهذا النوع من الشعر: جميل بثينة، كثير عزة، مجنون ليلي، وغيرهم كثير.
    - حياة الشاعر وآثاره: هو قيس بن الملوح المشهورُ بمجنون بني عامر، وهذا أشهر اسمٍ له؛ حيث إنَّ الرواة اختلفوا في اسمه، فمنهم من قال إنَّ اسمَه المهديُّ بن الملوح، ومنهم من قال الأقرعُ بنُ معاذ، وقيل: اسمُه البحتريُّ بن الجعد، أو البَختري بن الجعد، ومع هذا فليس اختلافهم في اسمه دليلا على عدم وجودِه، إذ اختلفوا في أسماء شخصيات تاريخية كثيرة، ولد قيس سنة 33 هـ في قبيلة بني عامر من بلاد نجد، وهي قبيلة عُرفت بكثرة المجانين، فقدْ رَوَى الأصمعي: سألت أعرابيا من بني عامر بن صعصعة عن المجنون العامري، فقال: عن أيهم تسألني؟ فقد كان فينا جماعة رُمُوا بالجنون، فعن أيهم تسأل؟ فقلتُ: عن الذي يُشبِّبُ بليلى، قال: كلهم يشبِّبُ بليلى ! اشتهر المجنون بحبه لابنة عمه ليلى، فكان عشقه إياها سببا في التفريق بينهما، فلو لم يعشق قيس ليلى لسهُل عليهما الزواج، ولكن عادةُ العرب أن يمتنعوا عن تزويج الفتاة لمن أحبها إذا افتُضح أمرهما، فكان أن حُرم هذا الحبُّ من تحقيق البغية، فحُرما من اللقاء تحت سقف واحد، فنجم عن هذا الحرمانِ شعر رقيق جُمعَ في ديوانٍ مستقل، كما تناقلت كتبٌ كثيرة قصة المجنون وأشعاره، من قبيل كتاب " نزهة المسامر في أخبار مجنون بني عامر " لابن المبرد يوسفَ بنِ الحسن الحنبليِّ، وغيره. توفي المجنون كمدًا من الحبِّ حواليْ سنة 90 هـ في عهد الدولة الأموية، مخلفا قصة حبٍّ سامٍ تداولها الناسُ، وطارت في الخافقين.
    - سياق النص: القصيدة التي بين أيدينا مقتطفة من ديوانه برواية أبي بكر الوالبي، وقصتها أن بعض الناس طلبوه بعد أن سمعوا شيئا من أشعاره، فتفرقت الخيلُ في طلبه، فما كان إلا هنيهة حتى أُتي برجل ضئيل الجسم، ناحلِ البدن عريان، فقيل له من أنت؟ فأنشد قيس قصيدته.
    ➁ ملاحظة النص و صياغة الفرضية:
    - عنوان النص :يوحي عنوان النص الشعري بتلازمِ مكوناته التي تراوحت بين ضمير المتكلم (أنا)، واسم الفاعل (الوامق)، واسم المفعول (المشغوف) بالمعاناة من عاطفة الحب القوية التي تبلغ درجة الألم، وهو ما تؤكده مؤشرات أخرى من قبيل البيت الأول والأخير من القصيدة، الأمر الذي يقودنا بخطوات ثابتة إلى افتراض كون النص الشعري ينتمي إلى زمرة نصوص الشعر العربي في التعبير عن الذات.
    ➂ فهم النص :
    تحديد الوحدات الدلالية في النص ومضامينها الأساسية:
    - الوحدة الأولى (من البيت 1 الى البيت 4): وصف الشاعر فيها حالة العشقِ والولهِ الذين يعاني منهما بسبب تعلُّقِه الشديد بليلى.
    - الوحدة الثانية (من البيت 5 الى البيت 9): أشار الشاعر فيها إلى تفرده في معاناته من الحب عن سائر المحبين المشهورين بقصصهم العاطفية.
    - الوحدة الثالثة (من البيت 10 الى البيت 13): يبكي فيها الشاعر على ليلى إلى درجة المرض.
    - الوحدة الرابعة (من البيت 14 الى البيت 15): يصف فيها الشاعر مظاهر معاناته وشوقه إلى محبوبته إلى الدرجة التي يعجز فيها عن التعبير.
    ➃ تحليل النص:
    ➀ مكونات المعجم في النص الشعري:
    يتوزع معجم النص إلى ألفاظ دالة على الحب وأخرى دالة على المعاناة، نمثل لها في جدول واصف كالآتي:
    الكلمات والألفاظ الدالة على الحب الكلمات والألفاظ الدالة على المعاناة
    الوامق، المشغوف، كوجدي بليلى، لم يلق مسلم، أبيت صريع الحب، الهوى، الصب ... أنا الناحل المهموم، أظل بحزن دائم وتحسر، أشرب كأسا فيه سم وعلقم، فؤادي معذب، أبكي من الهوى، دمعي يفيض، تسقم، فلا قلبه يسلو ولا هي ترحم، دمع الصب، لساني عيي، دمعي فصيح...
    وتجمع بين هذين الحقلين الدلالين علاقة السببية، إذ إن حبه لليلى كان سببا في معاناته التي أودى إليها أساسا عادات المجتمع في التفريق بين الأحبة.
    ➁ البنية التركيبية في النص:
    ✔ الضمائر: تغلب على النص الضمائر الدالة على المتكلم بنوعيها المنفصل (أنا الوامق، أنا الناحل) والمتصل (أراعي، أظل، أشرب، دمعي، فؤادي، وجدي، لعمري، أبيت، لساني...)، وتدل هذه الضمائر بشكل أساسي على مركزية الذات ومحوريتها من حيث إبرازها لطبيعة التجربة الذاتية القائمة على المعاناة من الحب.
    ✔ أسلوب النص:
    - لغويا: من الناحية اللغوية يلاحظ في النص هيمنة واضحة للأسلوب الخبري المتجلي من خلال كثرة الجمل الاسمية الدالة على ثبات الحالة النفسية للشاعر، والجمل الفعلية الدالة على استمرار هذه الحالة إلى لحظة الخطاب نفسه، ومع ذلك يلاحظ أيضا حضورٌ لبعض الجمل الإنشائية التي خرجت عن معنى الطلب إلى العتاب، كقوله (فحتام يا ليلى قلبي معذب)، وبعض الجمل الإنشائية غير الطلبية كالقسم الدال على صدقه وإخلاصه في قوله (لعمي ما لاقى جميل بن معمر)، وهيمنة الأسلوب الخبري مناسب لغرض التعبير عن الذات، أما الأسلوب الإنشائي فهو مناسب للتعبير عن بعض الانفعالات الآنية التي سببها جوى الحب.
    - حجاجيا: عمد الشاعر إلى أسلوب الحجاج لتبرير شدة حبه لابنة عمه ليلى وللرد على لائميه، ومن الحجج التي وظفها مثلا الحجة التاريخية النقلية، التي تتمظهر في استعراضه لأسماء مجموعة من المحبين والعشاق من الشعراء وغيرهم لإبراز تفوق معاناته على معاناتهم، وممن ذكرهم في قصيدته: جميل بن معمر الذي أحب بثينة، مسلم بن الوليد صريع الغواني، قابوس الذي أحب منية، قيس بن ذريح الذي أحب لبنى، عروة بن حزام الذي أحب عفراء، نبي يوسف عليه السلام، نبي الله داود عليه السلام، بشر العابد الذي أحب هندا، وامق الذي أحب عذراء (قصة فارسية)، توبة بن الحمير الذي أحب ليلى الأخيلية، هاروت وماروت اللذان أحبا امرأة (قصة موضوعة).
    ➂ الصور الفنية البلاغية في النص:
    ✔ الملاحظ في النص أن الشاعر لم يوظف الصور البلاغية بشكل كبير، وذلك للطابع التعبيري للنص الذي يعبر فيه الشاعر بكل صدق وبشكل مباشر عن عمق تجربته الذاتية، ومع ذلك فقد وردت بعض الصور البلاغية من قبيل:
    - البيت 11: كناية: حيث كنى عن موصوف في قوله (منعمة الحظين)، وقصد بهذه العبارة المرأة التي يحبها، أي ليلى.
    - البيت 13: استعارة مكنية: حيث شبه الصِّبا بإنسان يعطي شيئا ما، فحذف المشبه به وذكر بعض لوازمه، وهو قوله (أنفاس) على سبيل الاستعارة المكنية.
    - البيت 14: استعارة مكنية: حيث استعار التكلم إلى الدمع مشبها إياه بالإنسان، فحذف المشبه به، وكنى عنه بشيء من لوازمه.
    - البيت 15: استعارة مكنية: حيث نسب العي والفصاحة على التوالي للسان وللدمع مشبها إياهما بإنسان، فحذف المشبه به، وكنى عنه بشيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
    ✔ وظيفة هذه الصور تقريب التجربة الذاتية القاسية التي عاشها الشاعر إلى المتلقي بشكل محسوس حتى تنطبع صور المعاني في نفسه.
    ✔ إضافة إلى ما سبق وظف الشاعر مجموعة من المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية، كالجناس في قوله: ( هاروت، ماروت)(النوى، الهوى )، والطباق في قوله: ( قائم، نوم )، ( تبري، تسقم )، ( فصيح، أعجم )، ( عيي، فصيح ). وتؤدي هذه المحسنات البديعية وظيفة جمالية إذ تحسن المعنى وتساهم في تمكينه من النفس، ووظيفة صوتية إذ تعمل على ضمان اطراد نغمي للنص الشعري.
    ➃ البنية الإيقاعية:
    ✔ الإيقاع الداخلي: يتجلى أساسا في مجموعة من التكريرات و التوازيات الصوتية التركيبية، كقوله مثلا في البيت 15 (لساني عيي في الهوى وهو ناطق ودمعي فصيح في الهوى وهو أعجم).وكتكريره لمجموعة من الكلمات ( ليلى، الهوى، الحب، دمع ...)، ولضمائر التكلم، ولحروف العطف، ولبعض الصيغ الصرفية (فاعل: وامق، ناحل)،(مفعول: مشغوف، مهموم)، وغير ذلك، مما يعمل على إحداث نغم داخلي إثر تفاعلات هذه العناصر مجتمعة.
    ✔ الإيقاع الخارجي: يتجلى أساسا في توظيف الشاعر بحر الطويل لنظم قصيدته على زنة:
    - فعولن، مفاعيلن، فعولن مفاعلن فعولن، مفاعيلن، فعولن، مفاعلن
    - حيث استخدمه بعروض مقبوضة وضرب مثلها، مع قافية متداركة مطلقة (يظلمو /0//0)، وحرفِ الميم رويا للقصيدة.
    ➄ التركيب :
    بلغت تجربة العشق عند قيس ذروتها حتى أصبح صريع عاطفة الحب القوية لمحبوبته التي كلما ابتعدت عنه زاده ذلك ألما وحزنا، حتى بلغ إلى الدرجة التي بدا فيها منفردا في هذه المعاناة فوق كل العشاق عبر التاريخ، وللتعبير عن هذه التجربة الشعورية وظف الشاعر معجما ثريا بألفاظ وعبارات دالة على الحب والمعاناة، وكذا صورا بلاغية وبديعية ساهمت في بناء النص جماليا وإيقاعيا، إلى غير ذلك من المقومات البنيوية والشكلية التي رصدناها عبر تحليلنا للقصيدة، لنكون في آخر المطاف أمام نموذج حي من نماذج الشعر العربي القديم الذي يعبر فيه الشاعر عن ذاته وما يختلج فيها، وهو النموذج الذي ينتمي إلى العصر الأموي، العصر الذي مهد لظهور شعر الغزل بصفة صارخة.