تحضير نص عتبت الدهر للسنة الأولى باك آداب و علوم انسانية
عتبت الدهر
وصِدْقُ الصَّبْرِ أظْهَرَ لي المحالا عقابُ الهجرِ أعقبَ لي الوصالاَ مقيمٌ ما رعيتُ لهم جمالا ولولا حبُّ عبلة َ في فؤادي ولي عزمٌ أقدُّ به الجبالا عتبتُ الدَّهر كيفَ يذلُّ مثلي وقد عاينْتَ مَعْ خبري الفِعالا أَنا الرجلُ الذي خُبِّرْتِ عنه تهزُّ بكَفّها السُّمرَ الطّوالا غداة َ أتتْ بنو طيِّ وكلبٍ حسبتُ الأرضَ قد ملئتْ رجالا بجيشٍ كلما لاحظت فيه فكان صَهيلُها قِيلاً وقالا ودَاسوا أَرْضَنا بمُضَمَّراتٍ وفاتوا الظغن منهم والرِّحالا تولوا جفَّلاَ منَّا حيارى ولا سمعتْ لداعيها مقالا وما حملتْ ذَوُو الأَنسابِ ضَيْماً ونارُ الحربِ تشتعلُ اشتعالاً وما رَدَّ الأَعِنَّة َ غيرُ عبْدٍ لشدته فتجنبُ القتالا بطعن ترعدُ الأبطالُ منهُ وعدتُ فما وجدتُ لهم ظلالاَ صدمتُ الجَيْشَ حتى كَلَّ مُهري خِفافاً بعْد ما كانتْ ثقالا وراحتْ خيلهمْ من وجه سيفي وقد أخذَتْ جماجمَهُمْ نعالا تدوسُ على الفوارس وهْيَ تعدو يحرك بعد يمناه الشمالا وكمَ بطل تركتُ بها طريحاً وما أبقيتُ معْ أحدٍ عقالا وخلصتُ العذارى والغواني
➀ التمهيد
- يعتبر الشعر أرقى فنون القول و أجمل وسائل التعبير عند سائر الشعوب و الأمم، و للشعر مكانة عظيمة عند العرب لأنه كما قال عمر بن الخطاب : ديوان علم العرب، وذهب أبو عمرو بن العلاء إلى أن الشعراء كانوا في الجاهلية عند العرب بمنزلة الأنبياء في الأمم . فالشعر سجل العرب الذي يحفظ تاريخهم و أيامهم و أنسابهم، لذلك كان مرآة يعكس العصر الذي قيل فيه، كما كان مجسا يكشف أحاسيس الشاعر وهمومه و انفعالاته الذاتية و انشغالاته الفردية، و الذاتية حاضرة بقوة في الشعر العربي بكل فنونه، و لا نعني بمصطلح الذاتية هنا ما يرادف الأنانية ، بل نعني به الشعور الفردي الخاص المرتبط بالوعي الكوني و السلوك الجمعي المشترك، لذلك يرى بعض الدارسين ان الشاعر القديم كان يدور في فلك الجماعة و لا يخرج عنه، و الحقيقة ان الشاعر لم يكن دائما لسان قبيلته و لم يكن دائما ترجمان قلبه و جنانه، ويحدث أن تغلب الذاتية عند بعض الشعراء و تطغى على الحس الجمعي المشترك كشاعرنا عنترة بن شداد العبسي- صاحب النص: هو عنترة بن شداد بن معاوية العبسي، ولد حوالي 525 م من أم حبشية النسب، سباها أبوه في بعض غاراته و ورث عنها سواد البشرة كما أخذ منها وصمة الرق و العبودية حينا من الدهر حيث أنه ناضل من أجل حريته ونال اعتراف أبيه به عن جدارة و استحقاق. و كان يعير بسواد بشرته و أمه، وزاده رفض عمه مالك تزويجه من عبلة إحساسا بالقهر و الظلم فلم يجد بدا من فرض ذاته فتفجرت فيه ينابيع الشعر و توهجت فيه كوامن الفارس، مات حوالي 615 م و قد خلف ديوان شعر طبع للمرة الأولى ببيروت سنة 1864 م .
- ظروف النص: كانت البشارة الأولى لولادة عنترة الثانية مع إغارة بني طيء على بني عبس و عنترة ما يزال بعد عبدا، فلما طلب من أبوه ان يكر في الحرب قال: العبد لا يحسن الكر و إنما يحسن الحلاب و الصر حينئذ أجابه أبوه قائلا: كر و أنت حر فما كاد يسمع نداء الحرية و الانعتاق حتى أظهر مع حصانه الأبجر ما خلدته كتب التاريخ و الأدب و السير من بطولات نادرة شجاعة قاهرة حيث استنقذ الغنيمة من أيد العدى و حفظ العرض بتخليص نساء القبيلة من السبي. و مصدر هذا النص: ديوان عنترة دار صادر-بيروت ط (2/2005م)، ص (203-204).
➁ ملاحظة النص و صياغة الفرضية
- قراءة في العنوان: جاء العنوان تركيبيا جملة فعلية، أما دلاليا فيشير إلى معاتبة الشاعر للزمن الذي أذل رغم قوته.- فرضية قراءة النص: من خلال العنوان وبداية النص ونهايته نفترض أن النص عبارة عن قصيدة عمودية تنتمي إلى الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات، وسيتحدث فيها الشاعر عن معاناته الذاتية التي عاشها في مرحلة العبودية.
➂ فهم النص
✔ الفكرة العامة: تصوير الشاعر لمعاناته الذاتية و طرق تجاوزه.✔ الوحدات الأساسية :
- الوحدة الأولى (من البيت الأول إلى البيت الثالث): معاناة الشاعر الذاتية التي تتجلى في حبه الذي ضاع منه ومعاتبته للزمن الذي أذله.
- الوحدة الثانية (من البيت الرابع إلى البيت الثامن): وصف الشاعر للمرحلة التي قرر فيها أن يحارب خصومه من أجل الحصول على حريته.
- الوحدة الثالثة (من البيت 9 إلى لبيت 16): افتخار الشاعر بشجاعته وعزمه على التغلب على الأعداء وافتخاره بنفسه اثر فوزه في المعركة.
➃ تحليل النص
➀ الحقول الدلالية
العبارات الدالة على الحب | العبارات الدالة على العبودية | العبارات الدالة على البطولة |
---|---|---|
وصال، حب، فؤاد | رعيت، يذل، عبد | الرجل ،عزم، الفعال، رد الإعنة، نار الحرب، ترعد الأبطال، شدة، قتال، .... |
➁ الصور الشعرية
- اعتمد الشاعر في هذه القصيدة على مجموعة من الصور البيانية، إذ نجد الاستعارة في البيت الثالث فقد استعار الشاعر فعلا إنسانيا وأسنده إلى الزمن حيث أصبح يعاتب الزمن كما يعاتب شخصا معينا، و الاستعارة في البيت العاشر حيث رسم لنا وقائع الحرب كأنها نار تشتعل كاشتعال الوقود معبرا عن شدتها وحرارتها، و قد ساهمت هذه الصور في إضفاء جمالية على القصيدة.➂ الأسلوب في النص
وظف الشاعر ضمير المتكلم بصيغتيه بسخاء ، وهذا التوظيف دال و انعكاس لمعاناته النفسية و تفرده بالبطولة لتجاوز الغبن الاجتماعي الذي يعانيه، كما استعمل أسلوب النفي في البيتين التاسع و العاشر لينفي البطولة عن القبيلة و يثبتها لنفسه، كما كان الأسلوب الخبري طاغيا في النص لأنه المناسب لغرض الشاعر و خير مثال على ذلك البيت الرابع ،أنا الرجل الذي خبرت عنه، و اعتمد الشاعر في بناء صوره الشعرية على الاستعارة و الكناية و المجاز المرسل في الأبيات :1 ، 3، 7، 12، 13، 14. و القصيدة من بحر الوافر التام.➄ التركيب
لقد نجح عنترة بن شداد في جعل إحساسه بالغبن الاجتماعي، وحبه الصادق لعبلة مطية لإبراز ذاته و فرض نفسه على قبيلته و على كل من سولت له نفسه الانتقاص من شخصيته الأبية ، و قد صب ذلك في قالب فني ساهم في خدمة الغرض العام للقصيدة التي تعالج أبعادا نفسية و اجتماعية .